رفح.. المدينة الصغيرة التي تتجهز إسرائيل لاجتياحها
تتجه أنظار العالم إلى المدينة الصغيرة في أقصى جنوب قطاع غزة على الساحل الفلسطيني مع جمهورية مصر العربية، التي يهدّدها الاحتلال بالاجتياح الشامل
تتجه أنظار العالم إلى المدينة الصغيرة في أقصى جنوب قطاع غزة على الساحل الفلسطيني مع جمهورية مصر العربية، التي يهدّدها الاحتلال بالاجتياح الشامل، والتي أصبحت المدينة الأكثر اكتظاظاً بالسكان على مستوى العالم، بعد أن باتت قبلة النازحين الذين هجّرهم الاحتلال من شمال القطاع ووسطه.
رفح مدينة ضاربة في القِدَم، أنشئت قبل نحو 5 آلاف عام، وتعدّ بوابة القطاع إلى العالم، حيث يوجد فيها معبر رفح، وهو المنفذ الوحيد لسكان غزة إلى العالم، كما تُعدّ محوراً إستراتيجياً حساساً لوقوعها على خط المواجهة الساخن في المنطقة مع إسرائيل.
وأصبحت المدينة بعد حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، موطنا قسرياً للنازحين الفلسطينيين من جميع أنحاء القطاع، الذين وصل عددهم إلى أكثر من مليون، يعيشون في ظروف إنسانية قاسية، وتحت ضغوط إسرائيلية تهدف لتهجيرهم إلى سيناء المصرية.
الموقع
تقع مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، على الحدود مع شبه جزيرة سيناء، ويحدّها من الشمال خان يونس، ومن الجنوب الأراضي المصرية، ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط، ومن الشرق الخط الأخضر، الذي يفصل بين الأراضي الفلسطينية عام 1967 والأراضي المحتلة عام 1948.
وتقع المدينة بالقرب من البحر الأبيض المتوسط، وترتفع عن سطحه 48 متراً، ويضمها نطاق السهل الساحلي الفلسطيني، عند خط التقائه بصحراء سيناء من جهة، وصحراء النقب من جهة أخرى، لذلك تتشكل في المنطقة بيئة شبه صحراوية، تتكون تربتها من أرض قاحلة رملية، تنتشر فيها الكثبان.
وتتمتع رفح بمناخ شبه صحراوي لقربها من الإقليم الصحراوي في سيناء والنقب، فالصيف حارّ ورطب، والشتاء بارد وجافّ. وتتراوح درجة الحرارة فيها عادة بين 9 درجات مئوية شتاء و31 درجة مئوية صيفاً، ونادراً ما تكون أقل من 6 درجات مئوية أو أعلى من 33 درجة مئوية. وتتساقط الأمطار في فصل الشتاء غالباً، بمعدل هطول سنوي يبلغ نحو 250 مليمتراً.
تعتبر المدينة مركز محافظة رفح، وتضم 10 أحياء وتجمعات سكنية، هي: منطقة المواصي، وتل السلطان، ووسط البلد، والحشاش، ورفح الغربية، وحي النخلة، وخربة العدس، وحي السلام، والجنينة، والبيوك. وتقدر مساحتها بـ63 كيلومتراً مربعاً، حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني للعام 2017.
وتحتل رفح موقعاً إستراتيجياً مهمّاً لفلسطين وقطاع غزة، وتعد البوابة الجنوبية الأقرب إلى مصر، والمدينة التوأم لرفح المصرية، التي تبعد عنها أقل من كيلومترين، وتمثل الأهمية ذاتها لمصر، إذ كانت قبل الاحتلال الإسرائيلي حلقة ربط مهمة بين مصر وفلسطين، والمشرق العربي على وجه العموم، وكان يمر من أراضيها خط السكك الحديدية الواصل بين القاهرة وحيفا، الذي تم تدميره بعد عام 1967.
وعقب الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، أصبحت المنطقة تشكل محوراً حساساً في النزاع مع إسرائيل، إذ لا تكاد المدينة تبعد عن خط الهدنة المرسوم وفقاً لاتفاقية عام 1949 بأكثر من 7.6 كيلومتراً، وتقع بالقرب من محور فيلادلفيا، الخط الأكثر إثارة للمناوشات السياسية وتصاعد الحراك العسكري، كما تمتاز بقربها من مستوطنات غلاف غزة، فهي على مسافة 12 كيلو متراً من مستوطنة “نير إسحاق” مما يجعلها في منطقة التأهب العسكري الدائم بالنسبة لإسرائيل، ومنطقة مواجهات مستمرة.
تقع في منطقة رفح أهم المعابر إلى القطاع، فعلى أرضها يقع معبر “رفح” شريان الحياة الرئيسي للقطاع، وبوابته إلى العالم الخارجي. وعلى بعد نحو 4 كيلومترات منها يقع معبر “كرم أبو سالم”، صلة الوصل المهمة بين القطاع والضفة الغربية، فمنه تعبر البضائع القادمة من فلسطين المحتلة وكذلك بعض المساعدات الدولية.
التاريخ والسكان
أطلق على رفح عبر تاريخها الطويل العديد من الأسماء، ففي الحقبة المصرية القديمة كانت تسمى “روبيهوي”، ثم أطلق عليها الآشوريون “رفيحو”، وكانت تُسمى عند اليونانيين ثم الرومان باسم “رافيا”، وعُرفت عند العرب باسم “رَفَح”، الذي يتوقع أنّه مأخوذ من أسمائها التاريخية القديمة.
وتضم المدينة بعض المعالم التاريخية، التي خلّدت تاريخها الطويل، فقد احتوت على مجموعة من التلال والخرائب الأثرية في مواضع متعددة من المدينة، مثل تل رفح، الذي يُذكر بأنه الموضع الذي كانت تقوم عليه المدينة الرومانية “رافيا”، وكذلك “تل المُصبِّح” وتلال “أم المديدة” و”خربة رفح” و”خربة العدس”.
وتوجد في هذه الأماكن أطلال أثرية وأنقاض تضمّ قطعاً فخارية قديمة، وحصى وفسيفساء وأعمدة وتيجاناً تاريخية، ومقبرة أثرية.
أمّا سكان محافظة رفح، فيبلغ عددهم نحو 260 ألف نسمة، بينما يبلغ تعداد سكان المدينة نحو 191 ألف نسمة حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2021، وترجع أصول معظم سكانها إلى بدو النقب وصحراء سيناء ومدينة خانيونس المجاورة، وانضم إليهم بعد عام 1948 مهاجرون كثر من أنحاء مختلفة من فلسطين المحتلة وقطاع غزة.
ويمثل النشاط التجاري المورد الرئيسي لسكان رفح، ويرجع الفضل في ذلك إلى موقعها الجغرافي وكونها نقطة حدودية على الخط الفاصل مع مصر، فقد مثّلت المدينة محطة للتبادل التجاري بين المصريين والفلسطينيين، كما ساعد قربها من البحر على احتراف العديد من سكانها مهنة الصيد.
وعلى الرغم من طبيعة تربتها الرملية، فقد استطاع سكان المنطقة منذ ستينات القرن العشرين حفر الآبار، واستصلاح مساحات من الأراضي، لا سيما منطقة المواصي، وزرعوها بالحمضيات واللوزيات وكروم العنب والنخيل، إضافة إلى أصناف عديدة من الخضروات.
موطن قصري للنازحين
ومع عملية “طوفان الأقصى” يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وما أعقبها من عدوان إسرائيلي على غزة، أصبحت منطقة رفح موطناً قسرياً للنازحين الفلسطينيين من جميع أنحاء القطاع، ووصل عددهم إلى أكثر من مليون نازح حتى بداية فبراير/شباط 2024، يرزحون تحت ظروف إنسانية قاسية، وضغوط إسرائيلية تهدف لتهجيرهم إلى سيناء.
وبعد الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، في أعقاب معركة “طوفان الأقصى”، أصبحت رفح بؤرة نزوح لسكان القطاع، إذ أُجبر المدنيون تحت القصف الإسرائيلي العنيف على التوجه جنوباً إلى رفح، التي تحولت إلى مخيم كبير للنازحين، يضم أكثر من مليون لاجئ، يقيمون في المدارس والمرافق العامة والخيام تحت ظروف مأساوية، ونقص حاد في المتطلبات الإنسانية الأساسية.
وفي ظل تلك الظروف، كانت قوات الاحتلال تقصف المدينة بشكل متواصل، ونفّذت غارات كثيفة عليها، أسفرت عن مئات الشهداء والجرحى، كما هدّدت إسرائيل باجتياح عسكريّ بري للمدينة، وأعلنت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، أن الجيش الإسرائيلي صدّق على خطة لشن العملية.
قرار الاجتياح
أعلن ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلية، إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أقرّ خططاً لشن عملية عسكرية في رفح، مضيفاً أنّ “الجيش الإسرائيلي جاهز للجانب العملياتي ولإجلاء السكان”، دون تقديم تفاصيل عن هذه العملية التي تلوّح بها تل أبيب منذ أسابيع.
ويأتي الإعلان عن التصديق على خطط اجتياح رفح على الرغم من التحذيرات الدولية من أن يؤدي الهجوم على المدينة المكتظة بالنازحين إلى مذبحة كبيرة.
كما يأتي بعد يوم من إعلان نتنياهو أنه لن يرضخ للضغوط الدولية لثنيه عن القيام بعملية عسكرية في رفح، مبرّراً موقفه بأنّ الهدف من مهاجمة رفح هو القضاء على كتائب حركة حماس المتبقية، حسب ادّعائه.
ويدّعي نتنياهو ومسؤولون إسرائيليون آخرون أن الجيش الإسرائيلي قضى على نحو 3 أرباع الكتائب العسكرية لحماس منذ بدء الاجتياح البري لقطاع غزة أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
في المقابل، أفادت وسائل إعلام عبريّة أنّ الجيش الإسرائيلي ليس جاهزاً لبدء عملية عسكرية في رفح، حتى وإن أقرت القيادة السياسية خططاً لذلك.
وكانت الأمم المتحدة حذرت من العواقب الوخيمة في حال نفذ الاحتلال تهديده، كما حذرت منظمة العفو الدولية من خطر إبادة جماعية وشيك، لانعدام فرصة توفر ملجأ آمن للمدنيين، وذلك وسط رفض دولي للعملية، وتخوّف مصري من أن يدفع الاجتياح، في حال تحققه، النازحين الفلسطينيين إلى اختراق الحدود إلى الجانب المصري.
جاهزية المقاومة
من جانبه، حذّر رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، من إقدام الجيش الإسرائيلي على اجتياح مدينة رفح في قطاع غزة، مؤكدا في الوقت ذاته جاهزية فصائل المقاومة على الأرض.
وفي حديثه لوكالة الأناضول، أوضح هنيّة رأيه بشأن موقف واشنطن من اجتياح رفح، وهو أنّ الموقف الأميركي مخادع، وأنّ حديثهم عن الحاجة لرؤية خطط تُجنّب حدوث أذى للمدنيين، ما هو إلا عملية خداع.
ودلّل هنية على ذلك بقوله “كل المدنيين الذين قتلوا بغزة، استشهدوا بالأسلحة والصواريخ الأميركية، وبالغطاء السياسي الأميركي”.
وأكّد هنية أنّه حينما تلجأ واشنطن لاستخدام حقّ الفيتو في مجلس الأمن ضد قرار وقف إطلاق النار، فإنّ ذلك يعني أنّها تعطي الغطاء الكامل لاستمرار القتل والمذبحة تجاه غزة.
واستطرد قائلاً: وحينما تستخدم واشنطن حقّ الفيتو ضد اعتبار دولة فلسطين عضواً كامل العضوية بالأمم المتحدة، فإنّ ذلك يعني أنّها تتبنى الموقف الإسرائيلي، وأنّها تقف بوجه حقوق الشعب الفلسطيني.
كما شدّد على عدم وقوع المقاومة في فخ الخداع وما يسمى تبادل الوظائف بين الأمريكان والإسرائيليين، محذّراً من اجتياح رفح، لأن ذلك قد يسبب مذبحة كبيرة ضد شعبنا الفلسطيني.
ودعا هنية جميع الدول الأشقاء في مصر وتركيا وقطر وكل الدول الأوروبية وغيرها ذات الصلة المباشرة، إلى التحرك من أجل لجم العدوان الإسرائيلي، ومنع اجتياح إلى رفح، بل وضرورة الانسحاب الكامل لقوات الاحتلال من قطاع غزة وإنهاء العدوان.
واستدرك قائلاً: “أمّا إذا قرر العدو الإسرائيلي أن يذهب إلى رفح، فإن أيضاً شعبنا الفلسطيني لن يرفع الراية البيضاء، والمقاومة في رفح مستعدة لتدافع عن نفسها وتتصدى للعدوان، وتحمي نفسها وشعبها”.
ضوء أخضر
بدوره رجح الخبير العسكري والإستراتيجي، العقيد الركن حاتم كريم الفلاحي، أنّ الولايات المتحدة الأميركية أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل بالهجوم على رفح، لكنها اشترطت عليها ترتيب بعض الأمور اللوجستية للمدنيين الذي سيخرجون من المنطقة.
وأضاف الفلاحي في تحليله العسكري على قناة الجزيرة، أنّه حسب التصريحات الأميركية، فإنّ حكومة نتنياهو تقوم بتهيئة خيم وأمور لوجستية بهدف نقل المدنيين الفلسطينيين من رفح.
وبالتزامن مع تهيئة الأمور اللوجستية، يتصاعد القصف المدفعي والجوي الإسرائيلي بشكل كبير على مناطق رفح، غير مستثنٍ للمدنيين، مما يعني أن هذه المنطقة ستكون مسرح عمليات مقبلة لجيش الاحتلال، وفق ما يرى العقيد الفلاحي.
وبحسب آخر الأخبار، فقد استشهد 19 فلسطينياً، بينهم 14 طفلاً في قصف إسرائيلي لمنزلين في رفح.
ويتوقع الخبير العسكري والاستراتيجي أن يترافق الهجوم البري المحتمل على رفح مع عمل عسكري إسرائيلي على جميع مناطق قطاع غزة، لمنع تنقل الفلسطينيين، وإخضاع الجميع للتفتيش والرصد.
يُذكر إلى أنّ نتنياهو وفريق حكومته يزعمون أنّ ما يسمونه الانتصار في غزة لن يكتمل بدون الهجوم على رفح، والقضاء على كتائب المقاومة الفلسطينية، وهي الكتائب التي لا تزال تتصدى لجيش الاحتلال في شمال ووسط قطاع غزة.
المصدر: المركز الفلسطيني للاعلام