إِمَّا جُثَثَاً مُتَفَحِّمَةً، أو أحطابَ محارق !
لا ريب في أنَّ الصهاينة، وصانعيهم، ومموِليهم، ومُوَظِّفي كيانهم الاستعماري المُسَمَّى "دولة إسرائيل"، ومُسْتَخْدمِيهِم الرأسماليين الاستعماريين الغربيين، الأوروبيين والأمريكيين، قد أخطأوا في اختيار أرضِ "فلسطين"، لجعلها، بالعنف الاستعماري والسرقة والاستلاب والإرهاب والقهر، "وطناً قومياً ليهود العالم".
لا ريب في أنَّ الصهاينة، وصانعيهم، ومموِليهم، ومُوَظِّفي كيانهم الاستعماري المُسَمَّى "دولة إسرائيل"، ومُسْتَخْدمِيهِم الرأسماليين الاستعماريين الغربيين، الأوروبيين والأمريكيين، قد أخطأوا في اختيار أرضِ "فلسطين"، لجعلها، بالعنف الاستعماري والسرقة والاستلاب والإرهاب والقهر، "وطناً قومياً ليهود العالم". نعم لقد أخطأوا، وكان خطّأُهم هذا فادحاً، وإجرامياً، وعنصرياً عديم الإنسانية بامتياز.
ولا تتبدَّى تجلياتُ هذا الخطأ البشري التَّوحُّشي الإجرامي الجسيم، إلا في كل ما ينبثق عن حقيقة أنَّ إرادة الوجود الإنسانيِّ الحقِّ، وعلى الرَّغم من كل صُنُوف الخرافات والأكاذيب، وشتَّى أنماط الخداع والتضليل، التي استندت الحركةُ الصهيونيةُ والقوى الاستعماريةُ الغربيةُ إليها لتسويغ هذا الاختيار التَّوَحُّشيِّ الإجراميِّ، غير القابل لأدنى قدرٍ من التَّسويغ من أي وجهةٍ كَانَ؛ لن تأذنَ، بأيِّ حالٍ،
باستمرار وجود هؤلاء الصهاينة المتوحشين في فلسطين، إلا جثثاً متفَحِّمَةً، أو أحطاب محارق تشعلها الصهيونيةُ العنصريةُ الفاشيةُ العمياءُ نفسها، في لحظة يأسٍ وجوديٍّ أخيرة، لتدمِّرَ نفسها، وداعميها، وجميع منتسبيها، وأتباعها، وذلك في اتبِّاعٍ يهودي معاصرٍ، شديد الغَباء والعَماء، للخيار الآيديولوجي الخرافيِّ الشَّمْشُوني العنصري القديم: "بي وبأعدائي!"، ولكنه لن يقدرَ، عبر خياره البائسِ اليائسِ هذا، إلا على إبادةِ نفسه، كمستعمر استيطاني غازٍ، وككائنٍ بشريٍّ وحشٍ، لا جذورَ له، ولا بذورَ، ولا مَوْطِأَ قدمٍ، ولا ذرَّةَ تُرابٍ، في أرض فلسطين!
ولا ينبعُ هذا الاستخلاص الذي يكادُ ألا يكون إلا استخلاصاً يقينيَّاً قابلاً للتَجَلِّي الحيويِّ في العالم الموضوعيِّ، إلا من حقيقة أنَّ إرادة الوجود الإنساني الحقِّ، التي لا تتاسسُ على شيءٍ، أو أمرٍ، يُجافي أي مُكَوِّنٍ، أو بندٍ، من مُكَوِّنات وبُنُودِ القانونَ الحاكمَ صيرورة الحياة الإنسانية، والمنطقَ الذي تَتأََّسسُ تحولات التاريخ عليه، والذي بموجبه تتجلَّى هذه التحولاتِ النوعية مشفوعةً بشواهدِ الحضارة ومعالمها، ومُعَزَّزةً بمعطيات التاريخ الإنسانيِّ وحقائقه الحضارية الراسخة، ومُحَفَّزةً ببسالة المقاومة الشعبية الفلسطينية الشاملة والمتصاعدة التي يخوضها شعب فلسطين على مدى الزمن الممتدِّ منذ بدء الغزو الصهيوني لفلسطين وحتَّى هذه اللحظة، والذي لم يكن لـ"دولة إسرائيل"، ولحثالات اليهود المُصهيينين المستجلبين من شتى أرجاء العالم لغزو فلسطين وسرقة أراضي الفلسطينيين وبيوتهم واستيطانها، أنْ يتأكدا، خلال ساعاته وأيامه وسنواته الطوال، من أيِّ حقيقةٍ قد تجافي حقيقة أنَّ استمرار وجودهم في فلسطين ليس إلا رديفاً للمستحيل؛ وذلك بفضل الوعي الشعبي الفلسطيني الراسخ، والمقاومة الشعبية الفلسطينة الباسلة اللذين لم يَكُفَّا عن كتابة هذه الحقيقة الساطعة، بالروح والدم، ليزيدها رسوخاً وسطوعاً في رحاب أرض فلسطين، وفي فضاءاتها، وسماواتها، علَّها تُومِضُ في وعي كل ذي عينينِِ، ووَمضَ عقل مهما خفتَ، وبذرة إنسانية مهما أوغلت في الاختفاء والتواري خلف سُدُفِ العنصرية الفاشية، من هؤلاءِ اليهود الصهاينة المخدوعين!
ولا تنبعُ صلابة المقاومة الفلسطينية المنقطعة النظير، إلا من نهوضها الصَّلب على انتماء جذوري راسخٍ وتواصل حضاريٍّ، ظلَّ يتواصلُ برسوخٍ صَميميٍّ، منذُ فجر التاريخِ وبلا أدنى انقطاعٍ، بين هذا الشعب، الفلسطيني الاسم، والثقافة، والهوية، وبين أُمِّه ْالأزلية الأبدية الغالية الخالدة "فِلَسطين": الأرض، والوطن، والحضارة، والمجال الحيوي الوجودي الوحيد.
ولكونها كذلك، فإنها مُقاومة تحررية باسلةٌ لن تَكُفَّ أبداً عن التصاعد والاتساع والشمول، حتى تنجزَ أهداف اندلاعها. ولأَنَهَا مُقاومةٌ شعبية شاملةٌ مُتَجذِرةٌ في الأرض، وفي وعي الشعب، فهي مُقاومةٌ عصيَّةٌ على الهزيمة والانكسار، كما أنها عصيَّةٌ الاستئصالِ والإنهاء، أو التعطيل والوَقف، أو حتَّى إغلاق إمكانية التصاعدِ والاقتراب من تحقيق النصر الحاسم.
إنها، إذن، المُقاومةُ الفلسطينية الإنسانيةُ الحضاريةُ الباسلة المشروعةُ التي ليس لسواها أنْ تُجَسِّدُ إرادةَ الوجود الحضاري الإنساني َالحقِّ، وهي، إلى ذلك، ولكونها كذلك، سوف لن تأذن ّباستمرار وجود قطعانِ وحوشِ الغزاة الصهاينة في فلسطين، إلا على النحو الذي يُجَسِّدُ مكونات العقاب القانوني الإنساني العادل الذي ينبغي إيقاعه، بعدالة الإنسان والأرض، عليهم، جرَّاء ما اقترفوهُ بحق فلسطين وشعبها، وبحقِّ الإنسانية بأسرها، من جرائم بشريَّة توحُّشية غير مسبوقة في تاريخ التَّوحش البشري، منذ بدءِ وجود البشر في أي صقعٍ من أصقاعِ هذه الأرض!
لوالدي، الشيخ محمد خلوصي بسيسو (1909 - 1965)، قصيدة كتبها قبل ستة عُقود (1964) يرد فيها البيت الشعريُّ التالي الذي أحسبه خير ختام لهذا المقال:
لا يغُرُّنْكَ مكثهم في بلادي / فهي قبرٌ لجمعهم وفساده