محمد الفاتح هل هو إيفان فاسيليفيتش؟
ما نعرفه من التاريخ أن كليهما، السلاطين والقياصرة، قد قاتلا ضد الدولة العباسية حتى زوالها، السلاطين على على الجناح الغربي للخلافة، والقياصرة على جناحها الشرقي. والسؤال يبقى هل كان السلاطين هم نفسهم القياصرة؟ انقسم تاريخهم بعد انقسام سلطتهم إلى تاريخ عثماني وآخر روسي مع أنه في الأصل تاريخ واحد؟

بحسب تعريف ويكيبيديا محمد الفاتح هو: "صاحب البِشارة الملكُ المُجاهد والسُلطان الغازي أبو الفتح والمعالي محمد خان بن مراد بن محمد العُثماني (بالتُركيَّة العثمانية: صاحب بِشارۀ الملكُ المُجاهد غازى سُلطان محمد خان ثانى بن مراد بن محمد عُثمانى)...
يُلقَّب بِـ«صاحب البِشارة» اعتقادًا من جُمهُور المُسلمين أنَّ نُبُوءة الرسول محمد القائلة بفتح القسطنطينية قد تحققت على يديه.....
وأوَّل من حمل لقب «قيصر الروم» من الحُكَّام المُسلمين عُمومًا والسلاطين العثمانيين خُصوصًا." انتهى الإقتباس.
فما قصة "صاحب بشارة الملك" هذه التي لم يستفت فيها الكاتب جمهور المسلمين؟ وأي ملك هو المقصود؟
نبدأ القصة من مدينة موسكو التي كانت في ذلك الوقت مملكة صغيرة يحكمها تتار القبيلة الذهبية المسلمة على أطراف الدولة العباسية، وقد تمرد ملكها وأعلن استقلال مملكته وطارد التتار حتى قضى على حكمهم وأعلن نفسه قيصرأ على الأراضي الروسية. إنه إيفان فاسيليفيتش الملقب بالرهيب.
لا تهمني روايات التاريخ، فكلها بحاجة إلى إعادة تحقيق. هناك عدد من إيفان فاسيليفيتش وفاسيلي إيفانفيتش توالوا على الحكم وكأن لم يبق من الاسماء إلا هذه ايفان إبن فاسيلي وفاسيلي إبن إيفان، متاهة يضيع فيها الرواة.
ما يهمني هو هل هذه كانت اسماء لأشخاص أم ألقاباً لهم ونحن لا نعلم ما كانت أسمائم. وهل هم عدة أشخاص أم أن المقصود بهم هو شخص واحد.
وإن كانت ألقاباً فلننظر في معانيها، إيفان هو الترجمة الروسية ليوحنا، ويوحنا الذي نعرفه جيداً هو الملقب بالمعمدان، وأهميته أنه صاحب الوحي الذي بشر بقدوم المسيح ثم كما تقول الرواية الدينية قام بتعميده في مياه نهر الأردن. إيفان إذن هو صاحب البشارة (الوحي).
للمزيد حول أصل ومعنى كلمة إيفان يمكن الرجوع إلى مقالتي السابقة "اصل الإنجيل في السماء العالية مروراً باورساليم".
والتعميد بالعربية ليس له علاقة بالماء، بل هو فعل التكريس ومنح السلطة، ومن ذلك نجد العمدة في مصر صاحب سلطة، ونجد العميد في الجامعة صاحب سلطة، وكذلك العميد والعماد في الجيش. فهو إن عمد المسيح فقد كرسه ومنحه السلطة.
أما فاسيلي، بالعربية باسيل، فتعني الملكي، وبهذا يكتمل المعنى، إيفان فاسيليفيتش هو "صاحب بشارة الملك"، تماماً كما هو محمد الفاتح. هو لقب للحاكم الأعلى في الدولة.
هذا سهل للغاية إن لم نأخذ أمرين بعين الاعتبار، الأول كيف لحاكم مسلم أن يحمل لقباً مسيحياً؟ والثاني أين الدليل التاريخي على وجود إيفان الرهيب بصيغته الروسية؟
أما القائلين أن "صاحب البشارة" تعود إلى نبوءة الرسول فعندها يكون الرسول هو صاحب البشارة وليس المبشر به على اعتقادهم محمد الفاتح. وعلى كل حال فهذا كان اجتهاداً لكتاب لم يفهموا معنى اللقب فألبسوه لباساً اسلامياً. وإن تجاوزنا ذلك فماذا عن اللقب الثاني لمحمد الفاتح، "قيصر الروم"؟ والروم كانوا مسيحيين، والمسلمون لم يتخذوا قياصرة تحكمهم.
والأمر الثاني فالناظر إلى بقايا القياصرة في متحف قاعة السلاح في الكرملين سيتفاجأ بكم من السيوف والخناجر والدروع والخوذ المزينة بزخارف إسلامية وآيات من القرآن، كيف لقياصرة مسيحيين ان يقاتلوا بهكذا عتاد؟ هذا عدا عن نقودهم الممهورة بالخط العربي الكوفي.
لقد سمعت أحد هواة التاريخ الأتراك يقول في حلقة على يوتيوب أن إيفان الرهيب مدفون في اسطنبول، يقصد قبر سليمان القانوني، لعله يعلم شيئاً لا نعلمه... ولكن مما نعلمه نرى شبهاً في سيرة حياة الرجلين أهم ما فيه أن كليهما قد قتلا ابنيهما وريثا العرش بعد أن طالبا بقيادة المعركة ضد العدو. ومن الشبه بين محمد الفاتح وإيفان الرهيب أن كليهما قد تمردا على الخلافة العباسية وتبوءا مناصباً لم تمنح لهما من قبل دولة الخلافة، إيفان سمى نفسه قيصر كل روسيا والفاتح سمى نفسه قيصر الروم، وهذه مصطلحات يجب التدقيق في معانيها.
من المعروف أن الروس هم من اتباع كنيسة الروم الشرقية، إذن فقيصر الروم (محمد الفاتح) هو قيصرهم بلا شك، ولكن هل قيصر الروس (إيفان الرهيب) هو قيصر الروم عموماً؟ في هذه الحال يستلزم علينا المساواة بين تسميتين، الروس والروم، ما دام الخلاف والجدال مازال قائماً على مصدر وأصل ومعنى كلمة روس دون الوصول الى نتيجة. وهذا يؤدي ايضاً المساواة بين رجلين حملا نفس اللقب، "صاحب بشارة الملك".
ولو عدنا إلى أصل الحكاية، فكما طارد "الإيفانات" تتار القبيلة الذهبية حتى استولوا على كل الحكم، طارد "العثمانيون" المماليك حتى استولوا على كل الحكم. نفس الحكاية.... وإن دققنا أكثر فالمماليك والتتار هم جنس واحد. نغير كلمة واحدة ونحصل على تاريخ جديد، هكذا ودون جهد يذكر.
ولكن، أيعقل أن يكون هذا تاريخاً واحداً كتب من وجهتي نظر؟
ما ورد يعود بنا إلى مقالتي السابقة التي قارنت فيها بين جنكيزخان وقسطنطين كونهما نفس اللقب بلغات مختلفة، فهل هذه مصادفات؟
ما نعرفه من التاريخ أن كليهما، السلاطين والقياصرة، قد قاتلا ضد الدولة العباسية حتى زوالها، السلاطين على على الجناح الغربي للخلافة، والقياصرة على جناحها الشرقي. والسؤال يبقى هل كان السلاطين هم نفسهم القياصرة؟ انقسم تاريخهم بعد انقسام سلطتهم إلى تاريخ عثماني وآخر روسي مع أنه في الأصل تاريخ واحد؟