أكاديميون أردنيون يحتفون بصدور مُعجم مفاتيح التراث لمحمّد عبيد الله
نظّم قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة فيلادلفيا مؤخرا ندوة علمية لإشهار كتاب (مفاتيح التراث: معجم الأديان والمعتقدات والمعارف قبل الإسلام) من تأليف د.محمد عبيد الله
نظّم قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة فيلادلفيا مؤخرا ندوة علمية لإشهار كتاب (مفاتيح التراث: معجم الأديان والمعتقدات والمعارف قبل الإسلام) من تأليف د.محمد عبيد الله، ويجدر التنويه أن الكتاب صدر مؤخّرا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان، وبدعم من جامعة فيلادلفيا الأهلية في الأردن، وهو معجم تراثي يقع في (504) صفحة، من القطع الكبير، ويضمّ (257) مدخلا معجميّا على ترتيب الحروف الهجائية.
وذهب المنتدون الذين يمثلون عددا من الجامعات الأردنية أن صدور كتاب (مفاتيح التراث: معجم الأديان المعتقدات والمعارف قبل الإسلام) يشكّل إضافة مُعجميّة بارزة للمكتبة العربية، وتشجّع على الاهتمام بالتأليف المعجمي، وتدعم الاهتمام بالموروث العربي وتقدّمه بروح علمية معاصرة إلى القارئ الجديد، إلى جانب ما ينهض به المعجم من هدف صريح في الكشف عن كثير من غوامض تلك المرحلة التأسيسية التي ما زال البحث فيها مثيرا وقابلا لإضافات كثيرة.
د.غسان عبد الخالق: جهد علمي ومعجم موسوعي جدير بالاهتمام
وفي بداية الحفل رحب د.غسان عبد الخالق مدير الحفل بالحضور، وأشار إلى الجهد الكبير الذي بذله د.محمد عبيد الله في تأليف هذا المعجم الموسوعي حتى استوى على هذه الصورة التي يطالعها القارئ بسهولة ويسر، ونوّه د.عبد الخالق إلى دعم عمادة البحث العلمي في جامعة فيلادلفيا للتأليف والبحث ورعايتها للعلم والعلماء عبر الاهتمام بمشاريع البحث العلمي ودعم نشر الكتب، ومن حصاد دعمها نشر هذا المعجم النفيس. ثم قدّم مدير اللقاء المتحدّثين الذين عرضوا لمادة المعجم ومنهجه وأسئلته، وأجمعوا على الإضافة المعرفية والثقافية والحضارية التي يمثلها، بما فيه من جهد وبحث مستقص واجتهادات تجعله كتابا موسوعيا جديرا بالقراءة والاهتمام.
د.خليل الرفوع: إضافة علمية ومرجع موثوق للباحثين في التراث
ورأى د.خليل الرفوع أستاذ الأدب الجاهلي في جامعة مؤتة، أن مفاتيح التراث كتاب معجمي معرفي يوثق جزءا مهمًّا من ديانات العرب ومعتقداتهم ومعارفهم. ونوّه بالجهد المضاعف الذي بذله المؤلف في جمع مواد الكتاب وتبويبها وإخراجها في صورة تنبئ عن فهم ثاقب لطبيعة العصر الجاهلي الذي امتاز بقيم حضارية ممتدة في التاريخ والجغرافيا كان الشعر أحد سبلها ومعطياتها. وأثنى د.الرفوع على الجهد البحثي المعجمي الذي مثله (مفاتيح التراث)، لما يضيفه من تحقيقات علمية في مسمى المصطلح وجذره وتطوره ومعناه، ورأى أن الكتاب إضافة علمية للمكتبة العربية ومرجع موثوق لكل الباحثين في الميثولوجيا والتراث الديني والمعرفي قبل الإسلام. ورأى د.الرفوع أن الكتاب تناول تراثا معرفيا ضخما لا يستطيع أي باحث الولوج إلى صفحاته إلا بعد علم وخبرة وطول مكث في الممارسة النقدية وامتلاك رؤية ممتدة في العصر نفسه، وفي العصور اللاحقة حتى يومنا هذا. وختم د.الرفوع مداخلته بأن هذا الكتاب دراسة علمية تقف على عصر غلبت عليه الرواية الشفوية، وكثرت فيه المعارف الدينية وتداخلت فيه العلاقات اللغوية والسياسية والدينية مع الأقوام المجاورة، وكل ذلك يحتاج إلى دراسات متبصّرة كهذه الدراسة المعجمية القيمة التي تعزّز المعرفة بالحضارة العربية مع عدم إغفال انفتاحها على الحضارات والثقافات الأخرى.
د.سهى نعجة: رؤية معجمية جامعة ومغامرة جريئة تواجه مادة لغوية عويصة
وقالت د.سهى نعجة أستاذة اللغويات في الجامعة الأردنية: إن د.عبيد الله استأنف جهود المعجميين الأقدمين والمحدثين، وتوسّل بمنهجية أكثر يسرا في الكشف عن سيرة الدوال، فبسطها (ألفبائيا) في مداخل معجمية تفيد من نظرية الحقول الدلالية. ورأت أن المؤلف قد عني بالحرص على إبراز شخصيته البلاغية والإبلاغية مما جعله ينفرد بالرأي في مواضع كثيرة، فيوازن ويرجّح ويستنتج في مغامرة جريئة تواجه اعتياص المادة اللغوية المدروسة. وذهبت د.سهى نعجة أن المؤلف "انماز برؤية معجمية جامعة مانعة في محاورة الدوال اللغوية التي وردت في المنجز اللغوي العربي الموروث قبل الإسلام وإعادة قراءته؛ مركزا على الحفر في مكوّناته المعرفية، وروافده العقلية والنقلية، ومنطلقات معتقداته الدينية.. مستعينا بمنهج أصيل معاصر يفكّك ويعيد البناء مستعصما بمفهوم التماسك النصي، والكثافة اللغوية، والقرائن الحالية والمقالية، وسياق الحال ومفهوم الثقافة.
د.عمر الفجاوي: سفر ثمين وردّ جديد يواجه مطاعن الشعوبية
وأشاد د.عمر الفجاوي أستاذ الأدب القديم في الجامعة الهاشمية بمعجم مفاتيح التراث وعدّه سفرا ثمينا ينضمّ إلى الجهود والمصنفات المرموقة التي وضعها علماؤنا الأقدمون، وذهب إلى أنه يسير في مسلك السلف الصالح من العلماء كالجاحظ وابن قتيبة وأضرابهم من المؤلفين الذين دافعوا عن الثقافة العربية في مواجهة الشعوبية القديمة. ورأى د.الفجاوي أن هذا المعجم النفيس يعد امتدادا لتلك الردود والجهود في دفع مطاعن الشعوبية بطريقة علمية منهجية، تؤمن بحوار الثقافات والحضارات وتفاعلها، بعيدا عن الإزراء بالعرب وثقافتهم واتهامهم بأنهم مجرّد نقلة أو عالة على غيرهم. ودعا الفجاوي المهتمين والباحثين والقراء إلى الإفادة من المعجم وما فيه من رحلة شيقة بين ألفاظ الجاهلية ولا سيما في المعتقدات والأديان. ووقف د.الفجاوي عند مصطلح (ما قبل الإسلام) ومصطلح (الجاهلية) ورأى أن المؤلف قد اختار الأول لما فيه من حياد، وخشية من ظلال مصطلح (الجاهلية). وشدد الفجاوي على أن مصطلح (الجاهلية) بمعناه المستقر عند كثرة من القدماء والمحدثين لا يتصل بالجهل، وليس مدعاة لاتهام أهل الجاهلية وانتقاص مكانتهم.
د.محمد الدروبي: أصالة المرجعيات التراثية والانفتاح على المرجعيات الحديثة
ونوّه د.محمد الدروبي أستاذ الأدب القديم والعباسي في جامعة آل البيت بالمعجم ومؤلفه. وركّز في مداخلته على إبراز المرجعيات المعرفية والثقافية المتنوعة التي عوّل عليها المؤلف. ورأى أن أَهم ما يؤكد تنوع هذه المرجعيات ذلك الثبت الممتدّ من المصادر والمراجع الذي ضمّ عشرات الموارد والروافد التي صرح المؤلف بالنقل عنها، وهي مرجعيات تتمدّد على مدار ستة عشر قرناً، تبدأ بالمدونات الشعرية الجاهلية وتنتهي بالدراسات المنهجية المعاصرة، ما بين تلك وهذه، تبدو سلطة المرجعيات اللغوية والدينية والأَدبية والتاريخية والجغرافية والفكرية والكلامية. ولاحظ د.الدروبي أن المرجعيات العائدة إلى القرنين الثالث والرابع تمثل حضوراً كثيفاً، مما يدل على أصالة المرجعيات التراثية التي صدر عنها المؤلف. ونبّه الدروبي إلى حضور المرجعيات الحديثة إلى جانب المصادر القديمة، ممثلاً بطائفة واسعة من الدراسات العربية والمعرّبة التي شرّعت أَبواباً نحو دراسة عدد من مداخل المعجم. ورأى أَن تعدّد المرجعيات أَثرى المعجم، وأَمدَّه بطاقات جديدة، وهو دليل على وعي المؤلف بأَهمية الإِفادة من كل سلال المعرفة وأَوعية المعلومات، وتسخير معارفها في لون من الصناعة المعجمية الثقافية الحضارية التي تشتدُ إِليها حاجة العربية وتراثها العتيد.
د.محمد عبيد الله: المعاجم التاريخية والحضارية ضرب من ترميم الماضي
ووجّه المؤلف الشكر والتقدير للمتحدّثين الخبراء على جهدهم القيم في قراءة المعجم والحوار معه ومع مؤلّفه. وقال في كلمته إنه أراد تقديم مساهمة معجمية ثقافية تتصل بالحقبة التأسيسية في الثقافة العربية، وأن إعجابه بجهود قدامى المعجميين والمؤلّفين كالخليل بن أحمد الفراهيدي والجاحظ وابن قتيبة دفعه إلى خوض هذا المضمار المعجمي الشاق لخدمة اللغة العربية التي تستحق منا كل اهتمام ورعاية.
وشبه محاولة التأليف المعجمي في العصر الجاهلي بعمل علماء الآثار، إذ ينطوي على الترميم وعلى تصور المجهول والخفي من خلال البقايا القليلة التي كشف عنها التنقيب، وذهب على أن بحثه يكشف عن مكانة اللغة العربية بوصفها أطول اللغات الحية عمرا، وأن هذه الحقبة التي يتناولها ما تزال حية وما تزال تعانق الحاضر في امتداداتها الثقافية والحضارية والشعرية.
وشدّد عبيد الله على أن المعجم ليس كتابا إبداعيا أو نقديا اعتياديا، وإنما هو كتاب يقدّم المعرفة الدقيقة التي لا لبس فيها، فنحن نلجأ إلى المعاجم لتزيل الالتباس والغموض عن بعض الكلمات أو المصطلحات، فإذا لم يقم المعجم بهذا من خلال ما يقدّمه من معرفة دقيقة مقنعة فإنه يكون معجما ناقصا أو معيبا، ولقد حاولت في هذا المعجم الإحاطة بأهم الكلمات المفتاحية التي لا بد منها لتفهّم التراث الثقافي والحضاري عند العرب قبل الإسلام، وقبل أن أكتب أية مادة كنت أقرأ عشرات وأحيانا مئات الصفحات المرتبطة بالمدخل، وما في معجمي هو خلاصة أمينة موثّقة أحسب أنها أفادت من جهود المعجميين العرب ومن عشرات المصادر القديمة والحديثة، وتوصلت في كثير من المداخل إلى حقائق جديدة وفهم جديد لكثير مما التبس فهمه على المعجميين والباحثين السابقين.
ورأى المؤلف أن أديان العرب ومعتقداتهم ومعارفهم هي جزء من تصور الأسلاف والإنسان القديم للكون وللعالم وللعلاقة مع الطبيعة ومع قواها الخفية، وليس المهم في الأديان والأساطير القديمة أنها حق أو باطل، وإنما المهم معانيها ودلالاتها، حيث ترينا جانبا أصيلا مبدعا من كيفية تفاعل الإنسان مع ما حوله، فهي من نوع المعرفة المبنية على الضرورة.
وتميزت الندوة بحضور أ.د.معتز الشيخ سالم رئيس جامعة فيلادلفيا، وأ.د.خالد السرطاوي، نائب رئيس الجامعة، ود.عصام نجيب عميد البحث العلمي والدراسات العليا. كما حضر الحفل د.فواز عبد الحق الزبون رئيس الجامعة الهاشمية. إلى جانب عدد كبير من الأكاديميين والنقاد والباحثين وطلبة الدراسات العليا واللغة العربية من الأردن وعدد من الدول العربية والإسلامية.
مؤلف المعجم د.محمد عبيد الله، ناقد وأديب وأستاذ جامعي، مواليد الأردن عام 1969، حصل على شهادة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها من الجامعة الأردنية عام 1998م، وعلى رتبة الأستاذية عام 2015، له إسهامات ومؤلفات متعددة في النقد الأدبي والمعجميات والتراث العربي، من مؤلّفاته المتصلة بالمجال التراثي: أساطير الأولين: الجنس الأدبي الضائع في السرد العربي القديم، الصناعة المعجمية والمعجم التاريخي عند العرب، الوعي بالشفاهية والكتابية عند العرب، إلى جانب مؤلفات في النقد الأدبي منها: رواية السيرة الغيرية: قضايا الشكل والتناص وجدل التاريخي والتخييلي، بنية الرواية القصيرة وغيرها.
وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين، وجمعية النقاد الأردنيين، ويعمل حاليا عميدا لكلية الآداب والفنون بجامعة فيلادلفيا. وله إسهامات متعدّدة في المشهد الثقافي الأردني والعربي منذ بداية تسعينات القرن الماضي.