مفاوضات الدُّوحة" وما جسَّدته من خداع سافر
ليس لصانعة التَّوحش البشري ومُعزِّزة وجوده في شتى أرجاء العالم: "الولايات المتحدة الأمريكية"، ولا لصنيعتها الإرهابية المتوحشة: "دولة إسرائيل" التي تحتلُّ، بالإرهاب الاستعماري والدعم الأمريكي السافر، "فلسطين" الحضارية التاريخية
قد بلغ السَّيلُ الزُّبي، ونالنا ما حسبنا به من هلاكٍ، وكفى!
ليس لصانعة التَّوحش البشري ومُعزِّزة وجوده في شتى أرجاء العالم: "الولايات المتحدة الأمريكية"، ولا لصنيعتها الإرهابية المتوحشة: "دولة إسرائيل" التي تحتلُّ، بالإرهاب الاستعماري والدعم الأمريكي السافر، "فلسطين" الحضارية التاريخية التي هي وطن الفلسطينيين ومجالهم الحياتي الوجودي الخالد، ولأعوانهما وتابعيهما من كيانات سياسةٍ وظيفيةٍ، عربيةٍ وأعجميةٍ وغربيةٍ وإفرنجيَّةٍ، مُصَهْيَنَةٍ ومُحَوُسلةٍ، أنْ يَصْدُقوا، أو أنْ يُصَدَّقوا، أو أنْ يجنحوا إلى وقف إطلاقِ نارٍ، وإعادة حقوقٍ مسلوبةٍ، وإقامة عدلٍ منتهكٍ، وإقرار سلامٍ قائم على العدل، وانتهاج دروب تعايش وتعاون قائمين على النِّدية الحضارية، والمساواة الإنسانية، أو أن يتخلُّوا عن الإمعان في معاداتهم الهمجية التَّوحشية المطلقة لفلسطين وشعبها، وللإنسانية بأسرها.
وما لشعبنا الفلسطيني الصامد الصابر، الناهض إلى تحرير وطنه، وإعتاق نفسه، والمُقاوم غزاته الاستعماريين ببسالة منقطعة النظير، أن يعتمد، أساساً وابتداءً، على أحدٍ، أو أمرٍ، يتعدّى إرادته الثورية الحُرَّة، وقواهُ الذَّاتية، ومقاومته الباسلة، ومن ثمَّ على دعمِ، ومساندة، وربما مشاركة، ناصريه الحقيقيين الأحرار من إنسانييِّ النَّاس ونبلائهم من كل الدِّيانات، والثقافات، والأعراق، واللُّغات، والألوان، والمعتقدات، والآراء، والرُّؤى!
والحقُّ أنهُ لم تعد بنا حاجة للاستمرار في تمكين أمريكا وإسرائيل وأعوانهما من خداعنا وخداع الإنسانية بأسرها، أو من الاستمرار، للحظة أخرى بعد الآن، في زعم أنهما كيانان سياسيان حضاريان، ديموقراطيان، أو حتى كيانان يتسمان بقدر بسيطٍ من إنسانيةٍ، وذلك بأبسط معنى يمكن ابصارِ تجلٍّ له فيهما من معاني الإنسانية، حتى البَدْئيّة منها، وبأدنى معايير تجسدها في السلوك، وإدراك وجودها، وتقييمها!
وأحسبُ أننا لم نعد قادرين، بَعْدُ، على خداع أنفسنا بافتراض أنَّ لأيٍّ من هاتينِ الإرهابيتين الهمجيَّتين المتوحشين: "أمريكا" و"إسرائيل"، أو لأي ممن يدورون في فلكهما، أدنى صلةً، مهما بلغت درجةُ تدنيِّهَا، بالإنسانية الحقَّة التي يتقاسم المُتحضرون من الناس قيمها السَّامية، ومنظوماتها القيمية والأخلاقية، وسعيها اللَّاهب لإدراك كمال إنساني يُعززُ المبادئ الإنسانية الجوهرية، ويجتثُ الغرائز الحيوانية التي تُحفِّزُ الجشع البشري، والتَّوحش الهمجي الاستعماري، والانحطاط الفاشيِّ، والانحدار العنصري الصُّهيوأمريكي الذي بلغ قاعَ آخر حضيض يُمْكِن لعنصرية بشريَّةٍ منحطَّةٍ أنْ تبلغه.
ولا أحسبني أقول هذا الذي سبق لي قوله هنا، إلا انطلاقاً من تأكدي، مثل آلاف الملايين من أسوياء الناس، وللمرة الألف بعد المرة المائة ألف ومرَّةٍ، من أنَّ ما فعلته أمريكا في "مفاوضات الدَّوحة" التي استغرقت يومين كاملين، بمشاركة كاملة وحيوية من قبل "إسرائيل"، وهي المفاوضات التي لم تسفر عن شيء ذي مغزىً بالنسبة لفلسطين وشعبها، وللإنسانية بأسرها، فقُرِّرَ استئنافها في نهاية الأسبوع القادم، أي بعد ما يزيد على خمسة أيام من الآن، لتستمر حلقاتُ المفاوضات العبثية السََرابية المُعَدَّة أساساً، ويإحكامٍ لا يحقق إلا غايات إسرائيل، مفتوحةً على مزيدٍ من أزمنة التفاوض العبثي، وذلك بمعزل عن إرادة أو عدم إرادة، أو قدرة أو عدم قدرة الوسيطين العربيين: قطر، ومصر، على فعل شيء، أو الوصول إلى شيءٍ أو أمرٍ ذي مغزى، أو ينبئ بإمكانية الوصول إلى اتفاق يضع حداً لحرب الإبادة الجماعية الصهيوأمريكية التي تستهدف فلسطين وشعبها!
لم تسفر جولة مفاوضات الدَّوحة عن شيءٍ سوى تمديدٍ متعمدٍ، وغير معلومة نهاية خضوعه لإمكانية التمديد، في زَمَنِ هذه المفاوضات. وليس لهذا التمديد العبثيِّ أن يذكرنا بأمر يحيلنا إلى ما يمكن أن نشهده في واقع الحياة العملية، الاجتماعية والسياسية والقانونية، الموسومة بالصدقية والجديَّة والالتزام الواعي بالقانون الدولي، والقانون الإنساني الدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، إِذْ هو لن يذكرنا، في هذه اللحظة المأساوية المفعمة بالتوحش والخداع والانحطاط الأخلاقي وانعدام الإنسانية من قبل الطرفين القاتلين المتفاوضين في الدوحة: "إسرائيل" و"أمزيكا"، إلَّا بأمر خرافيِّ يُجافي الواقع ويتأبَّى عليه، كهذا الذي تخيَّلَ كُتَّابُ "التوراة" أنْ "يوشع بن نُون" كَانَ قد طلبه من الإله: "يهوه"، أي "إيقاف الشمس في سماء أريحا" حتى يكمل جنود الرَّب اليهودي المتعطش لامتصاص الدَّم، وتنفس فوح الشواء، غزو أريحا وإكمال المذبحة التي استهدفوا بها إبادة أهلها، بأمر الرَّب ولغايات ابهاجه بسفك الدن، وبشميم حرق أجساد الكنعانيين!
فعلى غرار ما سخَّرَ "يوشع بن نُون"، الرَّبَ اليهوديّ المصنوع من جشع، وحقد، وسيفٍ فَاتِكٍ، وخرافةٍ: "يهوة"، تسخيراً كلِّيَّاً غايته تمديد الوقت، وتوفير الدعم، وكل ألوان المساندة والحماية الإلهيَّة، كذلك يفعل "نتنياهو" إذ يُسَخِّر الصُّهيونيَ "بايدن"، وأعوانه، وأتباعه الصهاينة، لتوفير كل ما يلزم من وقت، ودعم، ومساندة سياسية، وقانونية، ودبلوماسية، واقتصادية، ومالية، ناهيك عن المساندة العسكرية المطلقة، وغير المنقطعة للحظةٍ، لـ"جيش إسرائيل" عبر تزويده بكل ما يلزمه من عدة وعتاد وذخائر ومعدات وأجهزة ودعم استخباراتي ولوجستي ووجود حيوي متأهب لـ"الجيش الأمريكي" في الميدانِ للتدخلِ، في لحظة يلزم فيها تدخله لحماية إسرائيل، وجيشها، أو للقيام نيابة عنهما بمهمةٍ إجرامية توحشيَّةٍ بعينها!
وقد بات جليَّاً لكل ذي عينينِ، أن "الجيشَ الأمريكيَّ" لم يتخلَّ، للحظةٍ، عن مشاركة "جيش إسرائيل" في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والتَّدمير الشامل، وجرائم الحرب، وشتى أنواع الجرائم ضد الإنسانية، بحق فلسطين وشعبها، في قطاع غزة، وفي القدس، وفي جميع أرجاء الضفة الغربية، فهو راعيه، وحاميه، وضامن وجوده، مثلما هو ضامنُ وجود الدولة: "إسرائيل" التي جُعِلتْ له دولة متخمةً بالسلاح والخرافات والأساطير والوعي التوحُّشي واليهود الصهاينة المُحوسلين، ليكون هو، بأمر أمريكا وجيشها، صاحبها، وحَاميها، وضامن وجودها الذي بات يحتاج إلى من يضمن وجوده!
فيا أيها الناس، كُفُّوا عن التَّمييز بين القاتلتين المتوحشتين "أمريكا" و"إسرائيل"، ولا تجعلوا من أولاهما وسيطا، ولا تنخدعوا بما تدعيه من رغبة في وقف إطلاق النار، قبل إتمام المذبحة! ولتتصرفوا في ضوء إدراك هذه الحقيقة الدَّامغة، وقبل فوات الوقتِ، وتلاشي الخيارات، وضياع الفرص!