خاطرة المساء : صرت زاهدا في الكلام

صرت زاهدا في الكلام ، لأن الواقع على بذاءته. والصورة على بشاعتها ، والخذلان والخيانة في أوجها ، لا يعبر عنها ولا يرقى إلى مستواها لا بلاغة الشعراء ، ولا حكمة الحكماء

خاطرة المساء : صرت زاهدا في الكلام

صرت زاهدا في الكلام ، لأن الواقع على بذاءته. والصورة على بشاعتها ، والخذلان والخيانة في أوجها ، لا يعبر عنها ولا يرقى إلى مستواها لا بلاغة الشعراء ، ولا حكمة الحكماء . صار الكلام قزما مهما بلغ من القوة والتأثير والبلاغة ، امام مانلاقي وما يحدث ، وكأن العالم كله أصبح عييا فاقدا للإحساس والكرامة ، لا فرق بين الأقربين والأبعدين .

صيحات الوجع والشكوى ترتد إلى حناجر المقهورين والمظلومين ، ربما تبلغ العرش في السماء السابعة ، لكنها لا تلامس مسامع أصحاب الكراسي فهم في غيهم سادرون ، وعلى كراسيهم عاكفون ، ومع اسيادهم منسجمون ، وعلى مصالحهم متهافتون .

أيتها الحناجر التي تجأر إلى الله بالدعاء والخلاص ، لا تتوقعي أن ينتفض من هذه الأمة ذو نخوة ، ولا تستثيروا نخوة أحد منهم ، هم ليسوا مثلنا بشر عاديون ، لهم قلوب تحزن او عقول تفقه او ضمائر تستيقظ عندما يحصد الموت والعدوان الأرواح البريئة ، هم أبناء مصالحهم وكراسيهم ، هم تربوا على ثوابت الأسياد. ولا يؤرقهم ما يؤرق البشر العاديين ، هم من نسغ إبليس ومن صلبه ، فلا تتوقعوا ان تنبض قلوبهم بالإنسانية ، او أن تهتز عروقهم خوفا من الدعاء عليهم ، هم تجاوزوا كل هذه الملامح الإنسانية ، وأصبحوا في صف إبليس ، يتداولون معه على دماء الأبرياء ، ويباركون المجازر ، ويحتفلون بدماء الأطفال .

ما ترونه ليس صمتا او ضعفا ، او خذلانا ، بل هو تماه مع الظالم ، وانحياز له . لو كانوا مثلنا أسوياء لرأيت من أضعفهم ما يثلج الصدر ، ولكنهم أعدوا لمثل هذه الأيام الصعبة الحالكة للولوغ في دماء الأبرياء ، هم ليسوا شهودا ، إنهم من أركان المؤامرة وفاعليها. أيها البائس المستلب تحسس رأسك فإنني أعنيك وأضع سبابتي في عينك.

د. أحمد عرفات الضاوي